المرأه والشجره_الدكتور مصطفى محمود
صفحة 1 من اصل 1
المرأه والشجره_الدكتور مصطفى محمود
المرأة و الشجرة
المرأة كالدنيا فيها تقلبات الفصول الأربعة.
تفيء إليها ذات يوم فتجد الظل و الخضرة و العبير و الثمر و تلجأ إليها في
يوم آخر فتراها تعرت عن أوراقها و جفت فيها الحياة و توقف العطاء لا ظل و
لا زهر و لا ثمر.
تتداول عليها الأحوال تداول الليل و النهار و الربيع و الخريف و المطر و الجفاف و الجدب و النماء.
فإن كنت عشقت الظل و الخضرة و العبير و الثمر فذلك ليس وجه المرأة فإن
للمرأة كل وجوه الدنيا و هي تشرق و تغرب مثل القمر و تطلع و تأفل مثل الشمس
و تورق و تذبل مثل الورد.. فإن كان ما تنورت به عيناها ذات مساء هو ما
عشقت فما عشقت وجهها بل وجه الله الذي أشرق عليها و عليك ذات مساء.
و حيثما يشرق وجه الله تتنور المظاهر و يورق الشجر و يتفتح الزهر و يجود
الثمر و يبتسم الولدان و تهفو قلوب العشاق إلى من تعلقت به النعمة و تجلى
فيه الجود.
و ساعتها تخطئ أقدامنا العنوان و تخطئ ألسنتنا الاسم الذي تسبح له.. و ننسى
بارئ النعمة و ننسى أنه لا أنا و لا أنت و لا هي لنا من الأمر شيء..
و إنما كل ما حدث أن الله قال بلسان المظاهر.. ذات مساء في لحظة تجل.. أنا موجود.. أنا بديع السماوات و الأرض..
تتوقف هذه العين عند اللحظة و تتجمد عند القد و الخد و الخصر و النهد.. و
تنسى مصدر الجود فينساها صاحب الفضل و يشيح عنها بوجهه الكريم.. فيذيقها
الله الهجر و هي في القرب و يريها خيبة الأمل و هي في ذروة العمل و يختم
لها بالخذلان و هي في غفلة الهيمان.
و تلك هي صدمة العشاق التي أفاض فيها الشعراء و أطالوا و هي في صميمها لفتة
رحمة من الله يوقظ بها الذين أخلدوا الى الأرض و اتبعوا الأهواء و نسوا
المعشوق و المحبوب و صاحب الفضل.. و الأصل كل الأصل.. الاسم الجامع لكل
الكمالات.
و ذلك هو الأكل من الشجرة.
ثم الاهباط بعد الأكل من الشجرة.. و النزول من سماوات المعرفة الرحيبة الى سجون اللذات و زنزانة اللحظات.
تلك هي القصة التي تتكرر كل يوم منذ آدم و حواء و كلما اجتمع ابن لآدم و بنت لحواء.
تتكرر الخيبة و يتكرر الخذلان.
و لا يعتبر عاقل و لا جاهل.
و الذين أحبوا أو صدموا يعودون الى حب جديد و الى خيبة أمل جديدة و لا يشبع أهل الأمل من خيبة الأمل.
و كل مرة تزداد الغواشي على الحس و يضيق مجال الرؤية و تضيق الزنزانة على صاحبها و يغرق أهل الصبابة في بحر الصبابة.
و لا ينجو من البحر الا من عصم ربك.
انما هو بحر الظمأ الذي يجري بين ذراعي المرأة كلما شرب منه الشارب ازداد
ظمأ و كلما عب منه عبا احترق احتراقا.. يظن أنه يرتوي و يبترد.. فلا يبترد
أبدا و لا يرتوي أبدا.. و لا يشبع أبدا.. و لا يسكن أبدا.
انما عنده هو السكن.
و بين يديه القرار و الاستقرار.
صدق أبو العتاهية في قوله:
طلبت المستقر بكل أرض فلم أر لي بأرض مستقرا
فلا مقر لنا في هذه الأرض و لا وطن لنا فيها و انما وطننا في بيت المعاد
الذي جئنا منه عند شجرة الخلد حقا و ليس عند شجرة الجوع و الظمأ التي أكل
منها آدم و مازلنا نحن أولاده نأكل منها فنزداد جوعا على جوع و لا نعرف
شبعا و لا راحة.
انما الحياة بجوعها.
و شجرة الأنوثة بربيعها و خريفها.
و الزهور بتفتحها و ذبولها.
و الشمس بطلوعها و أفولها.
كلها رموز تتكلم بلسان الحال..
بأنها كلها قصاصات و عينات و عبوات صغيرة تشير الى عالم آخر فيه النماذج
المثلى و الكمالات و الأصول لكل هذا الذي نرى أمامنا في صندوق الدنيا.. و
كأنما يضع لنا الطاهي قطرة في ملعقة و يقول لنا ذوقوا.
و الحكيم هو الذي يذوق و يقول.. الله.. ما أحلى الطهو.. يذوق فقط و لا يفكر
في أن يجلس ليأكل.. لأنه يعلم أن الدنيا مناسبة للتعرف.. و عينات للتذوق..
و عبور سريع في نفق أرضي من أنفاق المترو فيه صور و معروضات.. و كل حظ
الراكب لفتة هنا و لفتة هناك.
أما الجلوس للأكل و الشروع في مباشرة الحياة الحقة فذلك لن يكون الا بعد
انتهاء الرحلة و الخروج من النفق الأرضي الى السطح حيث نجد في انتظارنا
نعيم الخلد و الجنة التي عرضها السماوات و الأرض و الحياة الجديرة بأن
نحياها حقا.. حيث أرض الكمالات و عالم المثل.. و ذلك حظ من اتقى و فهم و
عرف، و كان بينه و بين الله عمار و صلة و عهد.
أما من قطع حبل الاتصال و عاش حياة الانفصال و لم يعرف لذة الوصال و انشغل
عن الحقيقة بعالم الأوهام و تعلقت همته بالصغار، فذلك حظه البقاء في النفق
المظلم و نصيبه الابعاد والاهباط من نفق مظلم الى نفق آخر أشد اظلاما و لا
نهاية.. فليس للبعد نهاية كما أنه ليس للقرب نهاية.. و ليس لنعيم الله حدود
كما أنه ليس لعذابه حدود.
ومن يتلفت حوله في الدنيا و يتأمل عجائب صنعة الله و غرائب آياته يمكن أن
يتصور كم يمكن أن يكون مذهلا و مدهشا ذلك العالم الكامل.. عالم الملكوت
الذي صنعه نفس الصانع و وعد به أحباءه.
ان عظمة الصنعة من عظمة الصانع.
و ليس أعظم من الله.
فكذلك نعيمه و كذلك عذابه.
و أهل القلوب لا تجف لهم دموع من تصور يوم الجمع.. و ساعة المصير.
و هم الباكون الراجفون الضارعون الداعون الراكعون الساجدون في هذا السامر
من الولائم الكاذبة على مائدة الدنيا حيث يعلم كل من يأكل أنه سوف يموت.. و
مع ذلك يقتل الغافلون بعضهم بعضا على اللقمة و يتنازعون على شربة الماء.
أولئك هم الصارخون في الخلوات.
إلهي.. ارزقنا.. خوفك..
ضع الموت بين أعيننا.
فلا شيء يستحق البكاء سوى الحرمان منك و لا حزن بحق الا الحزن عليك.
أنت الحق.
و أنت ما نرى من جمال حيثما تطلعت عين أو استمعت أذن أو حلق الخيال.
لا اله الا أنت.
سبحانك.
اني كنت من الظالمين
مصطفى محمود
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الخميس فبراير 05, 2015 9:37 am من طرف نورة سماحة
» هداياااااااااا للزوج
الأربعاء أغسطس 06, 2014 2:16 pm من طرف princese mool
» حصريا هديا من نوع خاص قلم ماركة كتير تحفة للرجال والنساء
السبت يوليو 26, 2014 11:11 am من طرف princese mool
» شنط ماركة اخر شياكة وبسعر روعة
السبت يوليو 26, 2014 11:06 am من طرف princese mool
» العدل ولو كان فى القبل
السبت يوليو 26, 2014 11:04 am من طرف princese mool
» سجدة الشكر .
السبت يوليو 26, 2014 11:03 am من طرف princese mool
» براءة من النارو براءة من النفاق .
السبت يوليو 26, 2014 11:02 am من طرف princese mool
» أحكام ومسائل فى صيام رمضان
السبت يوليو 26, 2014 11:00 am من طرف princese mool
» خواطر أدبية جميلة وأحاسيس رائعة
الثلاثاء يونيو 03, 2014 11:53 am من طرف نورة سماحة